السبت، 31 أكتوبر 2009

أخصائيون في التربية والطب المدرسي يشرحون الأسباب ويقترحون الحلول

رأي صحفي :
العنف في الوسط المدرسي

أخصائيون في التربية والطب المدرسي يشرحون الأسباب ويقترحون الحلول

تسجيل أكثر من 3 آلاف حالة عنف جسدي خلال السنة الدراسية الماضية

الحمامات ـ الصباح:
معضلة العنف في الوسط المدرسي استرعت اهتمام الكثير من الدارسين والباحثين والمهتمين بالشأن التربوي من مختصين بيداغوجيين ونفسانيين واجتماعيين وأطباء صحة مدرسية وإعلاميين وغيرهم، الأمر الذي دعا إدارة الطب المدرسي والجامعي التي يديرها الدكتور المنجي الحمروني إلى إدراجها ضمن محاور اهتمامها خلال المؤتمر الوطني العاشر للصحة المدرسية المنتظم يومي 19 و20 ديسمبر الجاري على ضفاف شاطئ مدينة الحمامات بحضور عدد غفير من الخبراء القادمين من مختلف جهات الجمهورية والوافدين من بلدان المغرب العربي ومن فرنسا وأسبانيا..
وعند مقاربتهم للمسألة خلصوا إلى أن أسباب العنف المدرسي عديدة ومتشعبة ولكن هذا لم يحل دون تقديمهم لبعض الحلول الممكنة للتقليص من هذه الظاهرة التي بدأت تنخر المدرسة التونسية وتؤثر على مردودية روادها.. وفي هذا السياق يقول السيد المنجي الحمروني إنه من المهم جدا تبادل وجهات النظر حول هذه المسألة.
ولا شك أنه محق في قوله إذ يكفي الاستدلال في هذا الصدد ببعض الأرقام التي قدمها السيد طارق الوصيف ممثل وزارة التربية والتكوين ومفادها أن السنة الدراسية المنقضية شهدت تسجيل 3131 حالة عنف جسدي بالوسط التربوي منها 2581 حالة عنف مسلطة من تلميذ على تلميذ و550 حالة عنف موجهة من التلاميذ نحو العاملين من الإطار التربوي.
ونتيجة لذلك تعمل المؤسسات التربوية على توجيه العقوبات اللازمة للتلاميذ وفي هذا الاطار قال إن نفس السنة شهدت تسجيل 91 ألفا و863 حالة طرد مدرسي منها 57 حالة من جميع المؤسسات التربوية..
ولدى تعريفه للعنف أقر المستشار في التوجيه المدرسي بالادارة الجهوية للتعليم بتونس بصعوبة إدراج العنف ضمن المفاهيم العلمية نظرا لكثرة دلالته لكنه لاحظ أن التّاريخ البشريّ شهد تواتر جملة من الفترات العنيفة ممّا حدا بالبعض إلى التّصريح بأنّ التّاريخ نفسه هو مخاض للعنف.. كما ورد في تقرير اليونسكو لسنة 2004 ما يلي: أن نتعلّم العيش معا صار أمرا صعبا.. وبالنظر إلى مختلف مشارب العلوم الإنسانية نلاحظ وجود مواقف متباينة من العنف فهناك موقف محبّذ للعنف وفي هذا الصدد يعتبر هيغل العنف محرّكا للتّاريخ بما انّه الوسيلة الوحيدة المتاحة للمستضعفين حتّى يتخلّصوا من الهيمنة المفروضة عليهم. ويرى مكيافيل بأنّ كلّ الوسائل بما فيها اللاّأخلاقيّة والعنيفة جائزة في سبيل بلوغ هدف ما. كما نجد موقفا محايدا ويرى "سيمال" أنّ العنف متجاور مع مفهوم الصّراع فهما سمتان لكلّ تفاعل بين الأفراد في أي مجتمع ونجد موقفا رافضا وهو الموقف الأخلاقي والدّيني.
وأكد الباحث على ضبابية مفهوم العنف نظرا لتداخله مع مفاهيم متجاورة مثل العدوانيّة والصّراعيّة والسّلوك الّلاحضاري والّسلوك المنافي لقواعد الحياة المدرسّية وهو يتمظهر في أشكال متعدّدة ويقوم على استخدام للقوى المادّية أو النّفسيّة أو المعنويّة وهو موجّه دائما بقصد الإيذاء ويتّسم بالدّيمومة في الزّمان والمكان ثم أنه يلاحظ كحالة ويترجم كفعل.
وعند تصنيفه للعنف قال إنه يوجد عنف لفظي من شتم وإهانات وإيحاءات وعنف مادّي من اعتداء على الممتلكات وابتزاز وعنف جسدي من ضرب وتحرش جنسي وعنف رمزي كأن يجبر التلميذ على القيام بأعمال لا يميل إليها أو عند نعته بالكسل رغم كلّ ما يفعله.

أسباب العنف

تتمثل أهم أسباب العنف المدرسي حسب رأي الخبراء في إحساس التلميذ بأنه لا يحظى بالتقدير اللازم في المؤسسة التربوية وبأنه لا يسمح له بالتعبير بكل حرية ودون قيود عن مشاغله ومشاكله إضافة على تعرضه إلى الاذلال والإهانة من قبل المربي كلما أبدى إعراضه على الوضع إذا أظهر غضبه وإلى وجود مسافة كبيرة بين المعلم والتلميذ حيث لا يستطيع هذا الأخير نقاشه حول مسائل تهمه مثل الأعداد التي يحصل عليها أو طريقة تدريس المادة.
وفي نفس السياق يقول السيد طارق الوصيف ممثل وزارة التربية والتكوين إن أكثر ما يتسبب في العنف في الوسط المدرسي هو عدم احترام التلميذ من قبل المربي أو من قبل زملائه وعدم المساواة بين التلاميذ في الحظوظ وعدم وجود قاعات مراجعة.. ومن جهته يقول السيد خالد الدريدي المستشار في التوجيه المدرسي بالإدارة الجهوية للتربية والتعليم بتونس إنه توجد أسباب عامة للعنف تتمثل في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه التلميذ إضافة إلى القطيعة بين الأجيال والأزمة العلائقية الناجمة عن سلطة الكبار على الصغار وسلطة الذكر على الأنثى وبروز ثقافة التبرير أما الأسباب المباشرة فهي تتمثل في الفشل الدراسي وصعوبات التكيف ومشاكل صحية واجتماعية ونفسية وانعدام التواصل.
وتذهب السيدة فاطمة بن عبد القادر ممثلة إدارة الطب المدرسي والجامعي إلى أن العديد من التلاميذ يعانون من اضطرا بات سلوكية ويجنحون إلى ممارسة العنف وقدمت أمثلة حية عن حالات باشرها مركز الطب المدرسي والجامعي بالتشخيص والعلاج فمن بين رواد العيادة النفسية بالمركز خلال السنة الدراسية 2006ـ 2007 نجد 21 بالمائة من التلاميذ يعانون من اضطرابات سلوكية وعنف وتذبذب.. وذكرت أنه نتيجة لهذه الاضطرابات هناك من فكر منهم في الانتحار..

الحلول الممكنة

لم يكتف الخبراء بشرح أسباب العنف المدرسي بل تعمقوا في المسألة وحاولوا تقديم بعض الحلول الكفيلة بالحد من انتشار هذه الظاهرة وفي هذا الإطار دعا خالد الدريدي خاصة إلى تشريك التلاميذ في صياغة القانون الداخلي للمدرسة وذلك بالتأكيد على الحقوق والواجبات بطريقة شفافة ومستساغة حسب كل مرحلة من مراحل الدراسة وصياغة ميثاق يتضمن قواعد العيش معا وتامين مكان وزمان خاصين بالإصغاء والوساطة يشرف عليه أخصائيون.
وقال إنه من الضروري تطوير إستراتيجيات مرافقة التلاميذ بهدف إعانتهم على تجاوز الصورة السلبية التي يحملونها على ذواتهم.. ودعا إلى تبصير التلميذ بضرورة بناء مشروعه الشخصي واقترح مزيد تكوين المربين بهدف تغيير مواقفهم تجاه التلاميذ الذين يعانون من حالات توتر وإكسابهم القدرة على اتخاذ مسافة تربوية في الحالات التي تنذر بانعدام التواصل بين الأطراف المتعايشة في المدرسة وإدراج وحدات تهتم بالمراهقة والإصغاء والوساطة في تكوينهم الأساسي وتكوينهم المستمر وإيجاد وسيلة لرصد حالات العنف ومتابعتها وعدم التستر على حالات العنف الجسدي والتحرش الجنسي وما شابههما مما يتعرض له التلاميذ.
وقال الخبير في الشؤون التربوية إنه من المهم جدا صياغة دليل للتلميذ يتضمن تعليمات حول كيفية التصرف في حالة التعرض إلى العنف بجميع أصنافه او تجنب الوضعيات التي يمكن ان تعرضه إلى العنف وإيجاد فضاءات وبرمجة نشاطات تقي التلميذ من مخاطر الشارع أثناء أوقات فراغه.
ولدى حديثه عن العنف حسب مراحل التعليم بين أن الملاحظ خلال المرحلة الأولى من التّعليم الأساسي أن العنف يسلط من طفل على طفل ومن كهل على طفل وكذلك الشأن في المرحلة الثانية من التّعليم الأساسي لكن في مرحلة التّعليم الثّانوي يمارس العنف من تلميذ على تلميذ أو من كهل على تلميذ أو من تلميذ على كهل أي على الإطار التربوي..
ولاحظ أن الإناث يتعرّضن أكثر للعنف اللّفظي بينما يتعرض الذّكور للعنف الجسدي والابتزاز.. وعن نوعية العنف لاحظ أن العنف داخل المدرسة يكون عنفا لفظيا أو في شكل إتلاف للمكتسبات ويكون في محيط المدرسة في شكل عنف لفظي وعنف مادّي وعنف جسدي وابتزاز..
وأكد على وجود ترابط بين مظاهر الفشل المدرسي وحالات العنف وتتمثل تداعيات العنف في تبادل العنف إضافة إلى التّسرّب المدرسي والأمراض النّفسيّة...
ودعا الخبير المؤسسات التربوية إلى مزيد توضيح الميثاق المدرسي والانطلاق من قناعة أنّ التّلميذ يرتاد المدرسة ليتعلّم العيش داخل مجموعة تتجاوز نطاق العائلة الضيّق وطالب بإرساء عمليّة تربويّة جماعيّة وهو يرى أن الوقاية من ظاهرة العنف لدى الأطفال تعتبر دورا أساسيّا للمدرسة. وعرج على أهمية تحديد الأدوار بما في ذلك دور التّلميذ
وأكد على ضرورة عدم التّفرقة بين التلاميذ وطالب بتكوين المشرفين على تربية الأطفال في مجالات حقوق الطّفل والمراهقة والتّواصل وعلى تفعيل الآليات المنصوص عليها في الأمر المنظّم للحياة المدرسيّة.
ومن الحلول التي تحدث عنها السيد طارق الوصيف الحد من الإقصاء والإخفاق المدرسي وتربية التلاميذ على المواطنة وتشريك الأولياء في الحياة التربوية وتكثيف خلايا الإصغاء والإرشاد وقال في هذا الصدد إن 40 بالمائة من مشاكل التلاميذ يتم حلها في تلك الخلايا.
ولاحظ أن التلاميذ الذين يعانون من صعوبات مدرسية يلتجئون إلى هذه الخلايا وقد زارها خلال السنة المدرسية أكثر من 70 بالمائة منهم وتحدث العديد منهم (814) عن صعوبات علائقية بينهم وبين مربيهم وهناك منهم من تحدث عن صعوبات مع زملائه.
هذه إذن بعض الحلول الممكنة لمعضلة العنف المدرسي فهل سيتم أخذها جميعا بعين الاعتبار وتنفيذها على أرض الواقع؟

سعيدة بوهلال
dimanche 21 décembre 2008 - الصباح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق