السبت، 31 أكتوبر 2009

عريضة وطنية


عريضة وطنية : أوقفوا العنف ضد المدرسين



نحن المدرسين والأساتذة والنقابيين ونشطاء المجتمع المدني والمواطنين الموقعين أدناه وبعد تواتر حالات الاعتداء اللفظي والمادي على الإطار التربوي من مدرسين مدرسين وقييمين وإداريين في التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي ونظرا لما تمثله هذه الاعتداءات من إهانة لكرامة الإطار التربوي ولحرمة المؤسسة التربوية فإننا :

1 – نعبر عن رفضنا الشديد واستنكارنا لكل أشكال الاعتداء اللفظي والمادي التي تستهدف الإطارالتربوي بجميع أصنافه.
2 – نطالب وزارة الإشراف القيام بإجراءات عملية وعاجلة لتوفير حماية للمدرسين وفق ما يفرضه القانون خاصة الفصل التاسع من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية والذي ينص على ان " للعون العمومي الحق طبقا للنصوص الجاري بها العمل في الحماية ضد ما قد يتعرض اليه من تهديد او هضم جانب او شتم او ثلب "
3 – نطالب الهياكل النقابية الجهوية والوطنية التعاطي بحزم مع هذه الظاهرة والوقوف إلى جانب المدرسين المعتدى عليهم وتقديم كل أشكال المساندة إليهم.

للإمضاء على العريضة يرجى إرسال الاسم واللقب والصفة الى العنوان الالكتروني التالي :
Solidarite.tunisie@gmail.com

مرة أخرى حول العنف في الوسط المدرسي

مرة أخرى حول العنف في الوسط المدرسي


سامي الطاهري



ما أثارني للعودة إلى هذا الموضوع بعد المقال الصادر بجريدة الشعب عـدد 1009 بتاريخ 10فيفري 2009 تحت عنوان " هل العنف بالمؤسسات التربوية: مجرد حوادث عرضية أم ظاهرة مستفحلة ؟ " هي أسباب أربعة:

1- خطورة هذا الظّاهرة والتّي أستطيع أن أجزم أن صدور أكثر من مقال يوميا حولها قد لا يكفي كي يعيَها الكثيرون. إلى جانب الحيرة التي افتعلها البعض متسائلين عن العلاقة السببية بين مثلا كثافة البرامج والعنف في الوسط المدرسي أو بينه وبين مشكلة التقييم والارتقاء وغياب قاعات المراجعة...وغيرها من الأسباب التي حاولت رصدها في المقال السابق. وجوابي في الحقيقة قد تضمنه المقال المعني : إن العنف في عمومه متولد عن التهميش إذ كلما توافرت عوامل الفشل المدرسي وتضافرت معها حالات التسيب والتفكك والضعف والعجز تشكلت ملامح التهميش و تولدت نتائج من قبيل الإحباط واليأس وانسداد الآفاق التي من أكثر دلائلها سطوعا البطالة المتفشية في صفوف حاملي الشهائد العلمية، وهي عوامل تأزم نفسي واجتماعي تشكل لا فقط أرضية خصبة لظاهرة العنف وإنما هي مولد مباشر له ومنتج أساسي لظهوره في الوسط المدرسي. إذن فالعلاقة بين الدراسة الاجتماعية للعنف المدرسي والدراسة الاجتماعية للفشل المدرسي وتدني المستوى المعرفي و تفشي البطالة و تعمق التهميش وطيدة.

2- تكرّر أحداث خطيرة بعد مقتل التلميذ الفقيد طه خلايفية بقفصة، إذ حدث أن أغمي على أستاذة اكتشفت أنّ بعضا من تلاميذها قد أحضروا خلطة من البنزين والكحول وغيها وسكبوها في قاعة الدرس بمعهد أبو القاسم الشابي بالتضامن مرة أخرى متهيئين لإشعالها مواصلة للحريق الذي أشعل قبل يوم في ركن من أركان نفس المعهد كاد يخلف مآسي لا أحد يتصور حجمها، وأيضا اقتحام مجموعة أخرى من التلاميذ والغرباء يوم 17 فيفري 2009 حرم قاعة الدرس بمعهد حنبعل بقرطاج على أستاذة التربية الإسلامية ومطالبتها تحت كل أصناف التهديد والوعيد والسباب والشتائم والبذاءات " تسليم " تلميذ لتأديبه....والقائمة تطول رغم محاولات التستر إيّاها...

3- قراءتي ل" لمحة " محمد قلبي الصباحية ليوم 10 فيفري 2009 تحت عنوان " أخطى راسي" التي تحدث فيها بالتكثيف العميق المعهود في لمحاته وحرابيشه عن كنس وزارة التربية أمام دارها... وما أكّده من وراء ذلك بأن القضية غائرة الأبعاد و العلاقة الجدلية بين كلّ الأسباب تحتم وعيها و الإنكباب عليها لا لمجرد تحديد المسؤوليات وإنّما لإيجاد الحلول ولمعالجة الأدواء قبل مزيد استفحال العلّة داخل المدرسة وخارجها .

4- الملاحظات الصّائبة لبعض الأصدقاء حول ما شكّل نقصا في مقالي المذكور أعلاه، حين لم يتعرّض إلى تهرؤ النظام التأديبي وتهافته، بالمعنى القانوني، واستغلال الإدارة ذلك لخرقه وهتكه، إذ يحدث في مؤسّستنا التربوية أن يطرد التلميذ، لسبب خطير، ثم ينقذه عطف أبوي من هذا المسؤول أو ذاك فيسعف مرة أولى في معهد علي بعد مرمى الحجر ليطرد بعد أيام معدودات فيسعفه نفس المسؤول ثانية في معهد أقرب من مرسى الحجر، فيعترض سبيل الأستاذ الذي " تسبّب " في طرده شاتما متوعّدا مفتخرا بعلوّه على القانون الذي اعتلاه من أسعفه ومن قبل إسعافه ومن صمت على إسعافه ... و أيضا حين لم يستعن هذا المقال بالإحصاءات، على شحّها، ولم يعدّد الأمثلة ولم يسرد قائمتها المطولة من شمال البلاد إلى جنوبها ليسكت كل الذين لا يزالون يسخرون من عقولنا عندما يحاولون التخفيف عنّا بالتأكيد على " عرضية " الأحداث...وحين أيضا لم يشدّد على الآثار الغائرة التي يتركها العنف في نفوس التلاميذ والأسرة التربوية من شعور بالعجز وعدم الجدوى والظلم والإذلال و إحساس بانعدام الأمن وتزعزع الثقة بالنفس وبالمهنة وبالمؤسّسات ( يحضرني في هذا الصدد ما صرّح به عفويا مسؤول جهوي حضر ذات اعتداء إضراب الأساتذة فقال: " هذا من مخاطر المهنة " ) و ما ينجر عن ذلك من انطواء وعدوانية و وانغلاق ومعاناة الألم في صمت طاحن...وحين لم يتعرض أيضا، بعد التوصيف فالإدراك إلى المقترحات العلاجية بوصفها منشودا يأمل كل غيور على المدرسة العمومية أن يراها محل درس وتمحيص وتنفيذ لتجاوز نقائص الموجود علّ هذا المكسب الوطني يعود إليه بريقه وإشعاعه ودوره في التأثير في المجتمع لا في التقبل السلبي لتأثيرات المجتمع أيّا كان عمقها. وهو الجانب الذي سأحاول بناءه في هذا الجزء الثاني مستعينا بالأساس بمدوّنة اللوائح والعرائض والبيانات النقابية وأيضا مستفيدا أيّما استفادة من إحدى الدراسات القيمة التي جاءت ضمن مشروع أوسع لم ينشر إلى حد الآن، و التي أنجزها ثلة من الفاعلين التربويين.(***)

فأمام تعدّد الأسباب الداخلية المولّدة للعنف المدرسي وتراكم آثارها على الوسط المدرسي إلى حدّ الإفاضة على الوسط الخارجي المحيط به وجب أوّلا على وزارة التربية والتكوين أن تكنس، سريعا وعمليا، أمام دارها، لأنّنا لا نحتاج إلى معرفة العنف فقط عندما يكون " كرشة "، كما أنّنا ندرك المعنى السّاخر من التسليم والعجز الذي عناه علي الدّوعاجي عندما أطلق قولته الشهيرة " إذا طحت مالشباك احمد ربّي أللي عندك شبّاك ".هذا يعني بلغة الأفعال تحديد خطة تدخّل سريع وبرنامج عمل بعيد المدى يبدآن ب:

· الوعي بخطورة هذه الظاهرة في كل أشكالها: " الصغير" كالعنف اللفظي والكبيرة مثلما حدث في قفصة والاعتراف بتداعياتها والتصميم على معالجتها..والكفّ عن نفيها أو محاولة التخفيف من حدّتها.

· تحديد الأهداف ومنها أساسا محاصرة ظاهرة العنف المدرسي والعمل بسرعة على تطويقها ومن ثم البدء في معالجة أسبابها حسب الأولويات مع تسخير كل الإمكانات والطّاقات لذلك، على أن تكون الغاية الكبرى من كل ذلك استعادة الشعور بالأمن داخل فضاء المؤسّسة التربوية وإتاحة الفرصة من جديد إلى سيادة « عالم المعرفة في رحاب المعرفة " بعيدا عن كل مظاهر القمع والسيطرة. فمعالجة الأسباب تغنينا في كثير من الأحيان على الوصول إلى مرحلة العقاب إذ لا يكفي أن نعاقب المذنب لنقضي على العنف في المدرسة.

· وضع إستراتيجية تذهب رأسا إلى معالجة الأسباب والتداعيات وتجنب الحلول الظرفية التي تتبخّر بفعل العادة والتآكل الزمني، فجميل أن نعدّ بطاقة التعريف المدرسية لكل تلميذ ولكن أجمل منها أن نعدّّ تلميذا واعيا مثقّفا متمتّعا بمواطنته شاعرا بمسؤوليته. وأيضا ترك الحلول السهلة جانبا مثل استنساخ التجارب – وأكثرها المستهلك – وتطبيقها، تعسّفا، على واقعنا المختلف عن الواقع الذي أنتج هذه التجارب (هذا لا يعني الاستفادة منها بهذا القدر أو ذاك).

· توفير كل الإمكانات المادية والبشرية لتجاوز الظاهرة. ومراجعة ما أصبح من الاختيارات الأساسية في السياسة التربوية الحالية وهو رفع الدولة يدها عن كل ما هو خدمة اجتماعية والتعليم أحدها بل أهمّها. (ويحضرني هنا أيضا تصريح أحد المسؤولين بأن ّ كلفة تخريب التجهيزات وإصلاحها في المؤسّسة التربوية أخفّ !! من كلفة انتداب عملة وإطار التأطير التربوي وهي رؤية لا تستطيع بأية حال وضع حياة طه خلايفية أو أي واحد من زملائه في بورصة المال والأعمال). والنظر إلى مسألة التربية والتعليم لا كسلعة ذات مردود عال يسيل من أجله لعاب المستثمرين ولكن بوصفها خدمة اجتماعية أساسية تدخل ضمن الحقوق الأساسية للإنسان والمواطن.

ولترجمة هذه المبادئ العامة إلى خطّة عملية فإنّني أكتفي بسرد عدد من المقترحات التي تضمّنتها عديد العرائض النقابية منبّها إلى أنّها ليست مرتّبة ترتيبا تفاضليا معتبرا إياها مقترحات أوّلية يمكن إثراؤها بكل التصوّرات الخلاّقة. وأشدّد على فقدان هذه المقترحات لجدواها وتأثيرها إذا لم ينظر إليها بعلاقة بالمؤثرات الخارجية الأخرى التي ألمحنا إليها في الجزء الأول من هذا الموضوع، كما أؤكد على أنّ نجاح أي مشروع تربوي مرهون بتشريك فعلي – كما ذكرت سابقا – للمدرسين وهياكلهم النقابية:

o إعادة الاعتبار إلى المدرسة من الناحية المادية بتهيئتها وصيانتها وحمايتها وتوفير التجهيزات والقاعات الكافية فيها ليكون عدد منها مخصصا للمراجعة وللأنشطة الثقافية المستقلة عن الجمعيات الغريبة عن المؤسسة التربوية. وجعلها فضاء محببا لدى المقبلين عليه وبالأساس التلاميذ، فلا يعقل أن يسقط سور مدرسة (1) والكل عارف بتداعيه ولا يتدخّل وليس مقبولا أن يصبح سطح قاعة وعاء تتقاطر منه الأمطار، ومن المرفوض أن تبقى جدران مؤسسة تربوية بلا طلاء لأكثر من عقدين وجريمة أن تساهم الإدارة بلامبالاتها في جعل المدرسة مكانا مستباحا (2) وأن ينظر الجميع بعين الشماتة كيف تنتهك ويعم محيطها الفساد ، ومن غير المقبول أن يجد أبناؤنا أنفسهم بين الفينة والأخرى على قارعة الطريق عرضة لكل المخاطر (3) ...فالمسألة لا تكمن فقط في حسن توظيف الفضاءات لاحتضان التلاميذ بل في وجود الفضاءات ذاتها: كيف يمكن التصرف في عدد من القاعات محدود في الأصل أمام مدرسة مكتظة بالأقسام ؟ وعن أي تنظيم نتحدث وكثير من المدارس والمعاهد تشغل قاعاتها على مدار 10 ساعات يوميا وعلى امتداد ستة أيام في الأسبوع ؟

o إعادة الاعتبار إلى المدرس بتثمين جهوده معنويا وماديا وإيقاف حملات "شيطنته " ومحاولات زعزعة صورته في محيطه التي تتزعمها بعض قنوات الميوعة والانبتات وصحف التشهير والدعاية الرخيصة. ومن خلال تثمين جهود المدرس يتم إعادة الاعتبار للمعرفة وتبوئة العلم مكانته الأصلية بعدما تردى إليه في ظلّ الأوضاع الحالية ومن ثمة إعادة ثقة التلميذ في المستقبل والآفاق من تحصيل المعرفة ومساعدته على استعادة جملة المعايير المفقودة ليستطيع تحديد أهدافه وتحمل المسؤولية وتقويم سلوكاته...

o مراجعة السياسة الحالية في تعيين الإدارة والقائمة على قاعدة الولاءات... واعتماد مبدأ الانتخاب والاختيار على قاعدة الكفاءة والخبرة والقدرة على المبادرة مثلما هو معمول به في بعض الكليات...

o انتداب أخصائيين اجتماعيين ونفسيين قارين – وما أكثر العاطلين - لمباشرة التلاميذ الذين يتعرضون إلى صعوبات، لأنّ العنف قد يغطّي حالات مرضية فردية وجب الكشف عنها والإحاطة بها طبيا واجتماعيا ومعالجتها.(4)

o مراجعة النظام التأديبي بما يضمن إحلال الانضباط واحترام المدرسة والأسرة التربوية وملازمة المواظبة وأداء الواجب على قاعدة لا سلطة القوانين وحدها بل سلطة المعايير القيمية ( les normes) كما يرى فوكو، بعيدا عن السيطرة والتسلط من ناحية وعن التساهل والميوعة المنقولة – على شاكلة غش التلاميذ – من تجارب لا تتلاءم مع خصوصياتنا.

o انتداب العدد الكافي من الأعوان والعملة وإطار التأطير التربوي لأن المشكل لا يكمن في الأصل في عدم تحمل المكلفين بحراسة المؤسسات التربوية والتكوينية مسؤولياتهم ولا فقط في سوء توزيع القيمين والعملة على جميع فضاءات المؤسسات التربوية والتكوينية، بل بالأساس في النقص الفادح في هذا الإطار مما يثقل الحمل والمسؤولية على الموجودين ويجعلهم في موقع المخلين بالواجب والمحجوجين في أغلب الأحيان ظلما بالتقاعس... فماذا يفعل مثلا عامل وحيد في معهد يمتد على آلاف الأمتار ويحتوي عددا من القاعات والساحات والملاعب وبه أكثر من مدخل عليه أن يؤمنها جميعا وحده ؟ هل نستعير عبارة محمد قلبي ونقلبها ونقول : " دبر راسك "؟ كلاّ ! إنّ الحل لا يكمن في مجرد التصرف في الموجود وإنما في تجاوزه لتلبية الاحتياجات الحقيقة الكفيلة بتأمين " شمولية التأطير والمراقبة "

o حصر مواظبة التلاميذ ودراسة تطوّرها ومتابعتها وإيجاد آليات ناجعة للحدّ من غياباتهم للحد من الوقت المهدور المبدّد في قسمه الأكبر في محيط المدرسة . وتقليص المدّة المعتمدة غير المبررة في الغيابات(21 يوما) قبل الشطب.والتشدد في الغيابات المتصلة بالفروض والامتحانات خاصة.

o مراجعة التهميش المتعمد للكثير من مواد التدريس كالفلسفة والتاريخ والتربية المدنية (5).والتأكيد من جديد على دور العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافة عموما – على عكس توصيات صندوق النقد الدولي – في تشكيل الإنسان السوي والمواطن المفكر والواعي والفاعل والقادر على البناء والتغيير . و الانكباب على إعادة تشكيل أجيال المستقبل بعيدا عن تجربة الخواء والتجويف والتمييع والانبتات التي طبقت إلى حد الآن ، وذلك بإعادة الاعتبار إلى القيم والمبادئ والوعي والانتماء وتثمين الفكر والتفكير النيرين.

o ضبط العلاقة مع الأولياء بما يضمن متابعتهم لأبنائهم وفي نفس الوقت الحد من تدخل الكثير من العناصر الغريبة، المتخفية بعناوين مضللة [ قد تسمي نفسها بذات العلاقة ]، في الشأن التربوي باستعمالها للنفوذ من أجل بسط سيطرتها على المؤسسة التربوية لأنها عندهم مجرد مجال للاستثمار أو فضاء للتوظيف...

o الحد من كثافة البرامج (6) وثقلها ومراجعة أشكال التقييم الحالية وإيقاف النزيف الذي تولده سياسة الارتجال والتجريبية واللهث وراء الموضات البيداغوجية وخاصة منها المستهلكة في مواطنها (7) وتوفير جميع مستلزمات العمل بما فيها الوسائل البيداغوجية الحديثة والحد من الاكتظاظ – التي لا تنظر إليها وزارة الإشراف إلا من زاوية تبعاتها المالية لا غير لما يوفره الاكتظاظ من تقليص في الانتدابات وحد في البناءات وضغط على المصاريف وهي أسس التوصيات القاضية برفع الدولة يدها على الخدمات الاجتماعية، بما يضمن قدرات أوفر على أداء الرسالة التربوية وتأطيرا ناجعا وفرصا تعليمية متكافئة وتعليما بسرعة واحدة (وقد حان الوقت لتقييم جرئ لما يسمى بالتعليم النموذجي الفعلي أو القائم على التمييز بين الجهات والأحياء والمؤسسات و الذي عمق سياسة التعليم ذي السرعتين الذي ينظر إليه البعض ) .

o ضرورة إحكام التوجيه في جميع مراحله وتثمين مؤهلات التلميذ حتى لا يكون التوجيه سببا للفشل وبالتالي عاملا من العوامل المولدة لردة الفعل المعادية للمدرسة وللمدرسين. والإقلاع عن النظرة الدونية المكرسة لكل ما هو تقني وتطبيقي وتثمين التعليم التقني حتى لا يبقى مصبا للفاشلين والمحبطين كما هو الحال الآن وخاصة في الإعداديات التقنية المثقلة بالمشاكل والمصاعب.

o مراجعة أشكال الارتقاء الحالية لأنها آلية أو تكاد (8) و لأنها لا تعيد إلا إنتاج القصور وتدني المستوى ولا تشجع إلا على الغش ولا تربي إلا على الاتكالية والتحايل وتعطي صورة أحادية على دور المدرسة وهي الحضانة ( garderie) -على حد تعبير الأساتذة أصحاب الدراسة المشار إليها أعلاه -. وفي هذا الصدد أعتقد ألا أحد يستطيع اليوم وبعد مرور عقدين تقريبا أن يفسر، فضلا عن أن يبرر سبب إلغاء امتحاني السادسة (سيزيام ) والتاسعة (نوفيام ) في شكلهما الإجباري غير تغطية ما عرّته هذه المناظرات من تدن للمستوى. وقد آن الأوان إلى الاستماع إلى المدرسين وإلى تقييم هذا التوجه حتى نمكن التلميذ من فرصة لامتحان حقيقي أو ما يضاهيه على الأقل قبل الباكالوريا. وقد حانت في نفس الوقت مراجعة أساليب التقييم وتوقيته (9) بما يضمن السيرورة والصرامة والجدية والمستوى العلمي (10).

والخلاصة أن حلّ مسألة العنف في الوسط المدرسي مرهون بدرجة كبيرة بحل عميق يطال العملية التربوية بجميع أبعادها المادية والهيكلية والمعنوية والقيمية .ولعلّ القول ينطبق بنفس الحدّة على سائر المشاكل الأخرى كالفشل المدرسي وتدني المستوى التعليمي وغيرهما...إذ هي مشاكل مترابطة من حيث الأسباب والدواعي والنتائج ولا شكّ أنّ حلولها متقاربة أو على الأقل متشابكة، حتى تستعيد المدرسة دورها في زرع الأمل وأن تكفّ عن بيع الأوهام وتسويق السراب.

هذا هو الطريق: تكون مدرستنا العمومية أو لا تكون ؟


(***) هم الأساتذة : بشير اليزيدي ولطفي صواب وعماد بن حميدة . في جزء من دراستهم بالفرنسية بعنوان : " العنف في الوسط المدرسي :الواقع والتحديات "

(1) حادثة سقوط سور مدرسة بالكبارية ثم قرار إغلاق 4 قاعات متداعية إلى السقوط قد تكشف عن وضع مئات من المؤسسات ت الأخرى وخاصة في الأرياف ومنها ما هو منشأ حديثا.

(2) مثلا هجوم عدد من التلاميذ والأولياء والغرباء بالحجارة على مدرسة إعدادية بجبنيانة يوم 17 فيفري 2009.

(3) أصبحت المؤسسات التربوية محاطة بأحزمة من الأكشاك التي تبيع كل شيء والتي تتخذ من أسوار المدرسة منطلقا للبناء والتوسع ، ولئن كانت هذه الأكشاك موردا لرزق عائلات بأكملها فقد أصبح كثير منها عبءا على المدرسة

(4) عن كتاب " العنف في الوسط المدرسي " ل إريك دي باربيو

(5) شهدت هذه المواد هجمة منظمة من أجل تهميشها بتغيير متعجل ومريب لبرامجها وتقليص لتوقيت تدريسها وتخفيض غير مبرر لضواربها بل بحذف بعضها من بعض الشعب والمستويات .

(6) أضحت العادة في التخفيف في البرامج مقتصرة على حذف المحاور وقطع الصفحات من الكتب على عجل دائما دون اعتبار لما يحدثه ذلك من خلل منهجي وثغرات معرفية.

(7)أيهما المختبر : مركز التجديد البيداغوجي أم المدرسة ؟

(8)يمكّن نظام الارتقاء الحالي التلميذ في كثير من مستويات الدراسة من الارتقاء بأدنى مجهود وإذا لم يتوفر المجهود نبحث له عن كل الاحتمالات ليرتقي (انظر مثلا منشور الارتقاء الصادر تحت عدد30/06/2006.بتاريخ 28 أفريل الذي حول الارتقاء إلى لعبة نرد...) حتى صارت مجالس الأقسام شكلية . فكيف سيقبل هذا النوع من التلاميذ وكذلك أولياؤهم الرسوب بعد ذلك ؟ لا نستغرب حينئذ ردة الفعل إن كانت عنيفة !!!

(9)تتعطل الدروس جزئيا أو كليا بمناسبة الأسابيع ما قبل المغلقة والمغلقة وما بعد المغلقة لمدة تتجاوز العشرين يوما لتليها العطل المدرسية الأمر الذي يخلق حالة من الانحلال والانفلات والتسيب مثيرة للذعر، وهي إحصائيا الفترات التي ترتفع فيها نسب العنف وتتعدد فيها الاعتداءات لأن الدروس متوقفة ولا يشد التلميذ إلى العمل والكد ويشغل وقته عن العبث، والفراغ مفسدة.

(10) ألا تلاحظ دوائر وزارة التربية أن نسبة الناجحين في الباكالوريا بمعدل اقل من 10 في ارتفاع متزايد منذ سنوات قليلة على حساب الناجحين بمعدل يفوق 10 وذلك بفضل الزائدة الدودية المتمثلة في التنفيل ب 25% المعدل السنوي .وكعينة على ذلك فإن نسبة الناجحين في الدورة الأولى للباكالوريا 2006 لشعبة الاقتصاد في أحد معاهد العاصمة الحاصلين على المعدل لم تتجاوز 9% من مجموع الناجحين ال 33% .علاوة على أن النتائج مهما تم الترفيع منها تحت العناوين المختلفة ومنها موضة " بيداغوجيا النجاح "

CAUSES DE LA VIOLENCE

CAUSES DE LA VIOLENCE

D’une manière générale nous pouvons constater une recrudescence des phénomènes de violence à l’école.
Quelles peuvent en être les causes sociologiques et psychologiques ?
I . Les causes sociologiques :

* Le sentiment d’exclusion : quartiers sensibles, ghettos, conditions matérielles et économiques difficiles.

* Crispations identitaires : conflits entre minorités ethniques, religieuses.

* Développement de la violence sur les écrans : télé, consoles de jeux, cinéma…les combats sur jeux vidéo permettent de frapper, de tuer, d’être tué …les enfants font-ils la différence entre le réel et le virtuel ?

* Modification de la composition de la famille et du comportement des parents : moins d’enfants qu’autrefois composent la famille : 1 ou 2 enfants sont fréquents. Certains parents rendent leurs enfants très dépendants, ne leur apprennent plus l’autonomie et la responsabilisation.

* Distance culturelle et sociale peuvent séparer enseignants et élèves. Les enseignants sont de plus en plus issus de classes moyennes, de moins en moins souvent il y a pour l’enseignant possibilité d’identification ou de compréhension à partir de son expérience personnelle. A noter également l’absence de domiciliation des enseignants dans les quartiers où ils enseignent. Ils peuvent parfois être ressentis comme les représentants d’un monde injuste, extérieur au quartier.

* Image des enseignants dégradée dans la société : l’éducateur n’a plus le prestige d’autrefois aux yeux des parents, ceux-ci sont nombreux à remettre en question devant leurs enfants l’enseignement qu’ils reçoivent.

II . Les causes psychologiques

- Traumatisme lié à l’enfance (sévices sexuels, violences, décision de placement etc..) entraînant un vécu familial insécure.

- Absence d’autorité et de protection parentale : les parents ne peuvent ou ne veulent assurer un rôle d’autorité : familles séparées, monoparentales, problèmes de couples, déni des parents, problème de chômage entraînant chez le parent une perte de l’estime de soi.

- Pathologie narcissique : faille narcissique amenant l’enfant à rechercher l’amour d’autrui pour compenser un manque essentiel, fondamental. Volonté de dominer l’autre et de le rejeter quand il n’y parvient pas. C’est en relation avec la problématique de l’abandon qui confirme une image de soi négative : la dépendance affective peut être niée et masquée par des attitudes de prestance qui préservent la toute puissance de l’enfant.

- L’ « enfant Roi » : Les enfants doivent sortir de leur toute puissance infantile et de leur égocentrisme afin de pouvoir respecter les règles de société et de morale.
Ce côté « laisser faire » engendre une prolongation de ce statut égocentrique provoquant une situation conflictuelle lors d’une confrontation avec un milieu où des règles sont établies (école).


- L’évolution des mœurs a conduit les jeunes parents à vouloir le bonheur de leur enfant à tout prix, en les mettant sur un statut d’égalité. Cette attitude conduit l’enfant à ne plus connaître son statut, ses limites car il ne s’y est pas trouvé confronté.

La violence peut être liée à des sujets qui n’arrivent pas à évoluer culturellement, « veulent se remplir » quels que soient les moyens : les pulsions primaires prennent de plus en plus de place qu’il faut alimenter sans cesse par de la nourriture, boisson, des biens de consommation sous peine de voir les enfants devenir violents et injustes.


- Violence et échec scolaire :
S ‘exprimer par la violence pour montrer son point de vue peut être révélateur de limites dans la capacité d’expression, de freins dans leur possibilité à apprendre et à penser, qui expliqueraient leur échec. Ces enfants qui ont des capacités psychiques insuffisantes pour affronter les contraintes et les exigences de la situation d’apprentissage les transforment souvent en frustration excessive et en remise en cause personnelle, ce qui justifie à leur yeux leur opposition à un système qui les persécute. Arrive alors un refus ou une peur d’apprendre pouvant se traduire par de la violence.

- La frustration, engendrée par l’impossibilité d’atteindre un but serait donc source d’agressivité qui peut être parfois dirigée vers une autre cible (bouc émissaire).

- L’agression est un comportement appris socialement, au même titre que n’importe quel comportement.

- Imitation : par observation puis imitation des modèles auxquels l’enfant peut se référer. Par conséquent si l’enfant est soumis à un modèle violent (ex : parents, adultes en général) il aura tendance à reproduire ce modèle, devenant ainsi plus agressif à son tour.

- Impact négatif des médias
Le fait de voir des images de violence dans les médias, de jouer à des jeux vidéo violents provoquerait une désensibilisation à la violence dans la vie réelle.
Désensibilisés, les enfants réagiraient de manière neutre ou positive face à un modèle violent et auraient de ce fait davantage tendance à reproduire ce modèle que les enfants y réagissant de manière négative. L’acte violent est donc perçu comme moins grave, il y a une baisse de la sympathie pour les victimes et une augmentation de l’idée que la violence se trouve dans la norme.

Et si la violence trouvait son origine dans la pédagogie ?
0- Les causes de la violence peuvent ne pas être exclusivement extérieures à l’école : liées au contexte social et culturel, mais peuvent être liées à l’école ou/et à la classe, à l’enseignant et aux activités scolaires.

0- La situation frontale d’enseignement entre le maître et l’élève peut alimenter un climat de tension dans la classe et différentes démarches pédagogiques sont à repenser.

لجنة جهوية لمعالجة العنف المدرسي

مقال صحفي

لجنة جهوية لمعالجة العنف المدرسي


عاشت قفصة في الفترة الأخيرة على وقع جملة من الأحداث الخطيرة كان مسرحها هذه المرة الوسط المدرسي، وتبقى جريمة القتل غير المسبوقة التي وقعت وسط ساحة اكبر معهد في قفصة أهم واخطر هذه الأحداث ليس في قفصة فقط بل في كامل البلاد على اعتبار أنها أول مرة في تونس تقع جريمة

قتل داخل مؤسسة تربوية، وقد انجر عن هذه الجريمة تداعيات خطيرة تمثلت في حدوث عدد من حالات محاولات انتحار في صفوف التلاميذ

فقد تم تسجيل حالتي محاولة انتحار في احد المعاهد وسط مدينة قفصة حالة لتلميذة خارجية تناولت دواء والدتها والحالة الثانية لتلميذة داخلية تناولت مبيد فئران، كما تم تسجيل حالة انتحار لتلميذة في القطار وأخرى رمت نفسها من علو في ام العرائس وكلها في الأسبوعين الأخيرين من هذا الشهر واثر جريمة القتل المذكورة، آخر هذه الأحداث حالة أخرى لا تقل خطورة وغرابة وهي حادثة دخول معتوه الأسبوع المنقضي إلى ساحة مدرسة ابتدائية والاعتداء على أربعة تلاميذ احدهم بحالة الخطر بواسطة قضيب حديدي حاد حتى تم السيطرة عليه وإيقافه.

وخلفت هذه الحوادث الخطيرة حالة استنفار داخل جميع الأوساط في قفصة، وفي هذا الإطار تكونت لجنة يقظة جهوية لمتابعة هذه الأحداث لتشخيص مظاهر العنف والسلوك غير السوي ولاستنباط الحلول والإسراع بأخذ القرارات المناسبة والتشاور مع كل المتدخلين بما فيهم إطار الإشراف الإداري والبيداغوجي والأساتذة والأولياء والسلط الجهوية والجمعيات ذات العلاقة. وتم في إطار هذه اللجنة وضع خطة تدخل عاجلة ترتكز على العناصر التالية:

ـ تدخل عاجل وسريع وتكثيف حصص الإصغاء والإرشاد في المؤسسات التي شهدت حالات عنف وبالفعل أصبح الإصغاء يوميا في 3 معاهد وسط قفصة وتم وضع خط مفتوح على ذمة التلاميذ والمتدخلين كامل اليوم

ـ إنجاز وحدات تكوينية موجهة إلى إطار الإشراف البيداغوجي والتربوي حول أساليب التعامل التربوي مع المراهق في الوسط المدرسي والوساطة وفض النزاعات بالوسط المدرسي الإصغاء والإرشاد ويتكفل السادة المرشدون في الإعلام والتوجيه بإعدادها وإنجازها وذلك في غضون شهر تتكفل الإدارة الجهوية بتحديد المعنيين بالتكوين وتوفير المستلزمات.

ـ الإعداد لندوة جهوية بالتعاون مع منظمة التربية والأسرة سيكون موضوعها «المدرسة والأسرة معا من اجل جودة التربية» يتم فيها تدارس ظاهرة العنف والسلوك الحضاري ودور منظمة التربية والأسرة في معاضدة مجهودات المدرسة في دعم السلوك الحضاري، وتدعيم التواصل بين مختلف الأطراف المتدخلة في المؤسسة التربوية (مربون، أولياء، تلاميذ..) وعقد شراكة مع بعض السلط الجهوية لمعالجة بعض أوجه السلوكات العنيفة.

كما تم وضع خطة تدخل على المدى البعيد تتمثل في:

العمل التربوي التوعوي

وذلك بتنظيم حوارات بمختلف المؤسسات التربوية حول مشكل السلوك الحضاري.

ـ عقد أيام مفتوحة بالمؤسسات التربوية موضوعها المواطنة والعيش معا

ـ إرساء نواد ثقافية بمختلف المؤسسات ودعوتها لإنجاز أنشطة ثقافية وفنية في علاقة بموضوع العنف المدرسي (مسرح، غناء، رسوم...)

العمل النفسي الاجتماعي

ـ دعم تكوين المتدخلين في مكاتب الإصغاء والإرشاد في مجال التعرف على التلاميذ ذوي الصعوبات السلوكية وطرق التدخل لحمايتهم من الجنوح.

ـ الاستعانة بالمختصين في علم النفس والطب النفسي لمتابعة بعض الحالات التي تظهر عليها بوادر الاضطرابات السلوكية (فشل مدرسي، غيابات، عنف...)

ـ إنجاز دراسات ميدانية حول ظاهرة الإخفاق المدرسي وعلاقتها بالاضطرابات السلوكية ويؤمنها المرشدون في الإعلام والتوجيه المدرسي بالتعاون مع هياكل وزارة الشؤون الاجتماعية.

ـ دعم الشراكة بين المؤسسات المدرسية والمحيط بما يحويه من جمعيات وسلط جهوية.

رياض بدري

أخصائيون في التربية والطب المدرسي يشرحون الأسباب ويقترحون الحلول

رأي صحفي :
العنف في الوسط المدرسي

أخصائيون في التربية والطب المدرسي يشرحون الأسباب ويقترحون الحلول

تسجيل أكثر من 3 آلاف حالة عنف جسدي خلال السنة الدراسية الماضية

الحمامات ـ الصباح:
معضلة العنف في الوسط المدرسي استرعت اهتمام الكثير من الدارسين والباحثين والمهتمين بالشأن التربوي من مختصين بيداغوجيين ونفسانيين واجتماعيين وأطباء صحة مدرسية وإعلاميين وغيرهم، الأمر الذي دعا إدارة الطب المدرسي والجامعي التي يديرها الدكتور المنجي الحمروني إلى إدراجها ضمن محاور اهتمامها خلال المؤتمر الوطني العاشر للصحة المدرسية المنتظم يومي 19 و20 ديسمبر الجاري على ضفاف شاطئ مدينة الحمامات بحضور عدد غفير من الخبراء القادمين من مختلف جهات الجمهورية والوافدين من بلدان المغرب العربي ومن فرنسا وأسبانيا..
وعند مقاربتهم للمسألة خلصوا إلى أن أسباب العنف المدرسي عديدة ومتشعبة ولكن هذا لم يحل دون تقديمهم لبعض الحلول الممكنة للتقليص من هذه الظاهرة التي بدأت تنخر المدرسة التونسية وتؤثر على مردودية روادها.. وفي هذا السياق يقول السيد المنجي الحمروني إنه من المهم جدا تبادل وجهات النظر حول هذه المسألة.
ولا شك أنه محق في قوله إذ يكفي الاستدلال في هذا الصدد ببعض الأرقام التي قدمها السيد طارق الوصيف ممثل وزارة التربية والتكوين ومفادها أن السنة الدراسية المنقضية شهدت تسجيل 3131 حالة عنف جسدي بالوسط التربوي منها 2581 حالة عنف مسلطة من تلميذ على تلميذ و550 حالة عنف موجهة من التلاميذ نحو العاملين من الإطار التربوي.
ونتيجة لذلك تعمل المؤسسات التربوية على توجيه العقوبات اللازمة للتلاميذ وفي هذا الاطار قال إن نفس السنة شهدت تسجيل 91 ألفا و863 حالة طرد مدرسي منها 57 حالة من جميع المؤسسات التربوية..
ولدى تعريفه للعنف أقر المستشار في التوجيه المدرسي بالادارة الجهوية للتعليم بتونس بصعوبة إدراج العنف ضمن المفاهيم العلمية نظرا لكثرة دلالته لكنه لاحظ أن التّاريخ البشريّ شهد تواتر جملة من الفترات العنيفة ممّا حدا بالبعض إلى التّصريح بأنّ التّاريخ نفسه هو مخاض للعنف.. كما ورد في تقرير اليونسكو لسنة 2004 ما يلي: أن نتعلّم العيش معا صار أمرا صعبا.. وبالنظر إلى مختلف مشارب العلوم الإنسانية نلاحظ وجود مواقف متباينة من العنف فهناك موقف محبّذ للعنف وفي هذا الصدد يعتبر هيغل العنف محرّكا للتّاريخ بما انّه الوسيلة الوحيدة المتاحة للمستضعفين حتّى يتخلّصوا من الهيمنة المفروضة عليهم. ويرى مكيافيل بأنّ كلّ الوسائل بما فيها اللاّأخلاقيّة والعنيفة جائزة في سبيل بلوغ هدف ما. كما نجد موقفا محايدا ويرى "سيمال" أنّ العنف متجاور مع مفهوم الصّراع فهما سمتان لكلّ تفاعل بين الأفراد في أي مجتمع ونجد موقفا رافضا وهو الموقف الأخلاقي والدّيني.
وأكد الباحث على ضبابية مفهوم العنف نظرا لتداخله مع مفاهيم متجاورة مثل العدوانيّة والصّراعيّة والسّلوك الّلاحضاري والّسلوك المنافي لقواعد الحياة المدرسّية وهو يتمظهر في أشكال متعدّدة ويقوم على استخدام للقوى المادّية أو النّفسيّة أو المعنويّة وهو موجّه دائما بقصد الإيذاء ويتّسم بالدّيمومة في الزّمان والمكان ثم أنه يلاحظ كحالة ويترجم كفعل.
وعند تصنيفه للعنف قال إنه يوجد عنف لفظي من شتم وإهانات وإيحاءات وعنف مادّي من اعتداء على الممتلكات وابتزاز وعنف جسدي من ضرب وتحرش جنسي وعنف رمزي كأن يجبر التلميذ على القيام بأعمال لا يميل إليها أو عند نعته بالكسل رغم كلّ ما يفعله.

أسباب العنف

تتمثل أهم أسباب العنف المدرسي حسب رأي الخبراء في إحساس التلميذ بأنه لا يحظى بالتقدير اللازم في المؤسسة التربوية وبأنه لا يسمح له بالتعبير بكل حرية ودون قيود عن مشاغله ومشاكله إضافة على تعرضه إلى الاذلال والإهانة من قبل المربي كلما أبدى إعراضه على الوضع إذا أظهر غضبه وإلى وجود مسافة كبيرة بين المعلم والتلميذ حيث لا يستطيع هذا الأخير نقاشه حول مسائل تهمه مثل الأعداد التي يحصل عليها أو طريقة تدريس المادة.
وفي نفس السياق يقول السيد طارق الوصيف ممثل وزارة التربية والتكوين إن أكثر ما يتسبب في العنف في الوسط المدرسي هو عدم احترام التلميذ من قبل المربي أو من قبل زملائه وعدم المساواة بين التلاميذ في الحظوظ وعدم وجود قاعات مراجعة.. ومن جهته يقول السيد خالد الدريدي المستشار في التوجيه المدرسي بالإدارة الجهوية للتربية والتعليم بتونس إنه توجد أسباب عامة للعنف تتمثل في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه التلميذ إضافة إلى القطيعة بين الأجيال والأزمة العلائقية الناجمة عن سلطة الكبار على الصغار وسلطة الذكر على الأنثى وبروز ثقافة التبرير أما الأسباب المباشرة فهي تتمثل في الفشل الدراسي وصعوبات التكيف ومشاكل صحية واجتماعية ونفسية وانعدام التواصل.
وتذهب السيدة فاطمة بن عبد القادر ممثلة إدارة الطب المدرسي والجامعي إلى أن العديد من التلاميذ يعانون من اضطرا بات سلوكية ويجنحون إلى ممارسة العنف وقدمت أمثلة حية عن حالات باشرها مركز الطب المدرسي والجامعي بالتشخيص والعلاج فمن بين رواد العيادة النفسية بالمركز خلال السنة الدراسية 2006ـ 2007 نجد 21 بالمائة من التلاميذ يعانون من اضطرابات سلوكية وعنف وتذبذب.. وذكرت أنه نتيجة لهذه الاضطرابات هناك من فكر منهم في الانتحار..

الحلول الممكنة

لم يكتف الخبراء بشرح أسباب العنف المدرسي بل تعمقوا في المسألة وحاولوا تقديم بعض الحلول الكفيلة بالحد من انتشار هذه الظاهرة وفي هذا الإطار دعا خالد الدريدي خاصة إلى تشريك التلاميذ في صياغة القانون الداخلي للمدرسة وذلك بالتأكيد على الحقوق والواجبات بطريقة شفافة ومستساغة حسب كل مرحلة من مراحل الدراسة وصياغة ميثاق يتضمن قواعد العيش معا وتامين مكان وزمان خاصين بالإصغاء والوساطة يشرف عليه أخصائيون.
وقال إنه من الضروري تطوير إستراتيجيات مرافقة التلاميذ بهدف إعانتهم على تجاوز الصورة السلبية التي يحملونها على ذواتهم.. ودعا إلى تبصير التلميذ بضرورة بناء مشروعه الشخصي واقترح مزيد تكوين المربين بهدف تغيير مواقفهم تجاه التلاميذ الذين يعانون من حالات توتر وإكسابهم القدرة على اتخاذ مسافة تربوية في الحالات التي تنذر بانعدام التواصل بين الأطراف المتعايشة في المدرسة وإدراج وحدات تهتم بالمراهقة والإصغاء والوساطة في تكوينهم الأساسي وتكوينهم المستمر وإيجاد وسيلة لرصد حالات العنف ومتابعتها وعدم التستر على حالات العنف الجسدي والتحرش الجنسي وما شابههما مما يتعرض له التلاميذ.
وقال الخبير في الشؤون التربوية إنه من المهم جدا صياغة دليل للتلميذ يتضمن تعليمات حول كيفية التصرف في حالة التعرض إلى العنف بجميع أصنافه او تجنب الوضعيات التي يمكن ان تعرضه إلى العنف وإيجاد فضاءات وبرمجة نشاطات تقي التلميذ من مخاطر الشارع أثناء أوقات فراغه.
ولدى حديثه عن العنف حسب مراحل التعليم بين أن الملاحظ خلال المرحلة الأولى من التّعليم الأساسي أن العنف يسلط من طفل على طفل ومن كهل على طفل وكذلك الشأن في المرحلة الثانية من التّعليم الأساسي لكن في مرحلة التّعليم الثّانوي يمارس العنف من تلميذ على تلميذ أو من كهل على تلميذ أو من تلميذ على كهل أي على الإطار التربوي..
ولاحظ أن الإناث يتعرّضن أكثر للعنف اللّفظي بينما يتعرض الذّكور للعنف الجسدي والابتزاز.. وعن نوعية العنف لاحظ أن العنف داخل المدرسة يكون عنفا لفظيا أو في شكل إتلاف للمكتسبات ويكون في محيط المدرسة في شكل عنف لفظي وعنف مادّي وعنف جسدي وابتزاز..
وأكد على وجود ترابط بين مظاهر الفشل المدرسي وحالات العنف وتتمثل تداعيات العنف في تبادل العنف إضافة إلى التّسرّب المدرسي والأمراض النّفسيّة...
ودعا الخبير المؤسسات التربوية إلى مزيد توضيح الميثاق المدرسي والانطلاق من قناعة أنّ التّلميذ يرتاد المدرسة ليتعلّم العيش داخل مجموعة تتجاوز نطاق العائلة الضيّق وطالب بإرساء عمليّة تربويّة جماعيّة وهو يرى أن الوقاية من ظاهرة العنف لدى الأطفال تعتبر دورا أساسيّا للمدرسة. وعرج على أهمية تحديد الأدوار بما في ذلك دور التّلميذ
وأكد على ضرورة عدم التّفرقة بين التلاميذ وطالب بتكوين المشرفين على تربية الأطفال في مجالات حقوق الطّفل والمراهقة والتّواصل وعلى تفعيل الآليات المنصوص عليها في الأمر المنظّم للحياة المدرسيّة.
ومن الحلول التي تحدث عنها السيد طارق الوصيف الحد من الإقصاء والإخفاق المدرسي وتربية التلاميذ على المواطنة وتشريك الأولياء في الحياة التربوية وتكثيف خلايا الإصغاء والإرشاد وقال في هذا الصدد إن 40 بالمائة من مشاكل التلاميذ يتم حلها في تلك الخلايا.
ولاحظ أن التلاميذ الذين يعانون من صعوبات مدرسية يلتجئون إلى هذه الخلايا وقد زارها خلال السنة المدرسية أكثر من 70 بالمائة منهم وتحدث العديد منهم (814) عن صعوبات علائقية بينهم وبين مربيهم وهناك منهم من تحدث عن صعوبات مع زملائه.
هذه إذن بعض الحلول الممكنة لمعضلة العنف المدرسي فهل سيتم أخذها جميعا بعين الاعتبار وتنفيذها على أرض الواقع؟

سعيدة بوهلال
dimanche 21 décembre 2008 - الصباح

بعد مقتل تلميذ بحرم معهد أحمد السنوسي بقفصة هل العنف بالمؤسسات التربوية: مجرّد حوادث عرضية أم ظاهرة مستفحلة ؟


بعد مقتل تلميذ بحرم معهد أحمد السنوسي بقفصة
هل العنف بالمؤسسات التربوية: مجرّد حوادث عرضية أم ظاهرة مستفحلة ؟


جاءت هذه المساهمة البسيطة تلبية لرغبة متحدّية من السيد المدير الجهوي للتربية والتكوين بقفصة الذي أمل – بتواضع ! - أن يجد اسمه وآراءه الفذة على أعمدة جريدتنا المتواضعة "الشعب" مؤكّدا في تصريحاته إلى المسؤولين النقابيين أن مقتل التلميذ طه خلايفية المرسّم بالقسم الثالثة آداب 2 يوم السبت 31 جانفي 2009 على الساعة العاشرة صباحا تقريبا وفي الساحة الرئيسية في معهد احمد السنوسي بقفصة إنّما هو حدث طارئ لم يكن أحد يتوقّع حدوثه قبل دقيقة من حدوثه مستعيرا (أو لعلّ الحافر وقع على الحافر) بعضا من مقدمة غابريال قارسيا ماركيز في" قصّة موت معلن" عندما يوغل في وصف الزمن السابق للقتل موهما القارئ بوضع الهدوء المغشوش الذي سبق لحظة القتل .تماما فعل السيد المدير الجهوي واعتبر مقتل التلميذ الضحية نتيجة صراع عروش لم يكن لأحد أن يتفاداه بمن فيهم مجموع من حضر الواقعة من بعض العاملين بالمؤسسة والتلاميذ، ولهذا – والقول ما زال للسيد المدير الجهوي – لا حاجة لركوب الحدث بإضراب هو ليس إلاّ وقوفا على الربوة ولا ضرورة إلى تعليق الحدث على شماعة مدير المؤسسة أو المدير الجهوي... و هكذا ختم البحث وطوى الملف دون أن ينسى التعبير عن مشاعر الأسف والتعاطف...ونسي أن يقارن ما يحدث عندنا بما يحدث في البلدان المتقدمة.(التسطير اجتهاد منّا ).

إنّ السّؤال الذي ظلّ ينخرني منذ خروجي من مكتب السيد المدير الجهوي هو: ماذا لو كان هذا هو تصريح كلّ مسؤول تربوي بعد وقوع حادثة - بحجم التي وقعت - في مؤسسة تابعة لمجال نظره ؟
إنّ الاستنتاج الذي نخلص إليه عندها، لتطمئنّ قلوب مسؤولينا وتهدأ ضمائرهم، هو أنّ العنف الذي يحدث – لاحظوا الاشتقاق – ليس إلاّ حدثا عرضيا... وتبلغ الأمور أوج خطورتها حين يتكرّر هذا الرأي العبقري مع ظهور كلّ حدث جديد بما فيها الأحداث التي تصل حدّ القتل.
إنّنا قد نفهم أحيانا حاجة المسؤولين إلى تلطيف الأجواء في لحظات التوتّر والتأزّم أمّا أن يتحوّل ذلك إلى اعتقاد راسخ يترجم على شريط مشروخ يتكرّر على ألسنة هؤلاء المسؤولين مهما تعدّدت الحوادث و تكرّرت و تصاعدت و استفحلت فذلك أمر من قبيل المغالطات قد يكون من أهدافها غير المعلنة إخراج الشعرة من العجين وتأكيد الجدارة بالمسؤولية ومن أهدافها المعلنة " طمأنة الرأي العام على أنّ كلّ شيء على ما يرام وأنّ ما حدث لا أحد كان يتوقّّع حدوثه قبل دقيقة من حدوثه ".


وقبل أن أشرع في محاولة الإجابة عن سؤال العنوان أودّ أن أتساءل عمّا فعلته وزارة التربية والتكوين حال سماعها بالحادثة، ولا أتحدّث هنا عن الإجراءات الأمنية وما اتّصل بها ، ولكن عن الإجراءات الإدارية العاجلة والاحتياطية التي كان من المفترض اتّخاذها في مثل هذه الحالات في انتظار التحقيق وتحميل المسؤوليات ، وأيضا أتساءل عن الإجراءات التربوية والنفسية الضرورية التي كان من المفترض الإسراع بها في اتجاه تلاميذنا وأقصد التأطير التربوي والإحاطة النفسية من قبل فريق من المختصّين لمعالجة آثار هذه الكارثة في نفسية أبنائنا ( أم أنّهم أجلاف من طينة الجلاميد وليسوا في حاجة إلى الإحاطة النفسية بل نحن الذين في حاجة نفسية إلى الإسراع بإقحام الأمن في تهدئة " ثورة " التلاميذ حزنا على زميلهم ). وفي هذا الصدد أحيي قرار الإضراب الذي نفّذه المدرّسون تعاطفا مع تلاميذهم و احتجاجا على الجريمة ولفتا لانتباه وزارة الإشراف إلى خطورتها ودعوة جادّة إلى الانكباب على معالجتها بجدّية وشجاعة و نجاعة، كما أحيي فيهم جرأتهم في إلقاء الخطب - وما أدراك من الخطب السيد المدير الجهوي ! - في تلاميذهم مساهمة منهم – وهم أهل التربية – في مسح آثار الجريمة من نفوس أبنائهم البريئة والمراهقة والفتية - التي لاشكّ اهتزّت بل انكسرت بعد الكارثة – ولعب الدور الذي تخلّت عنه الهياكل المعنية، حتى وإن لم يرق ذلك للبعض وحاول – بخجل خبيث – تجريم هذه الخطب والخروج بها عن أهدافها وتحويلها إلى قضية إدانة بالتحريض.
نستطيع التصريح بوضوح وبالواقعية الفجّة التي تخيف الكثيرين؛ إنّ تكرّر حوادث العنف بالمؤسّسات التربوية أصبح أمرا فاضحا مستفحلا لا تستطيع عبارات أعتى الألسنين تلطيفه وأتحدّى أن يتمّ نشر الإحصاءات بما هي البرهان السّاطع على ذلك. إذ تسجّل المؤسّسات التربوية كلّ يوم عشرات حوادث العنف بشتّى أنواعه. فمنذ أيام قليلة مثلا اقتحمت عصابة من المنحرفين معهد أبو القاسم الشابّي بالتضامن مستعملة قنابل الغاز المضغوط وعمدت إلى تعنيف تلميذة في محاولة لتأديبها أو حتى ترويضها. وقبل ذلك بأيّام أيضا تعمّد أخوان تلميذان قتل زميلهم ليس بعيدا عن معهدهم ابن رشيق بالزهراء... ويحدث كلّ يوم أن يتعرّض مئات من التلاميذ إلى كلّ ّصنوف العنف الممكنة ذات الخلفيات المختلفة ومنها في أحيان كثيرة الخلفيات الإجرامية الخطيرة المتصلة بعصابات الجرائم الأخلاقية والمخدّرات أو ذات الصلة فقط بانحرافات المراهقة والصعوبات النفسية وتحدّيات الوسط الاجتماعي...
ولا يقتصر هذا العنف على المعاهد والمدارس الإعدادية بل يطال المدارس الابتدائية، فقد سجّلت بعض المدارس الابتدائية حدوث حالات من العنف في ما بين التلاميذ وضدّ المدرّسين وعلى المؤسّسة التربوية نفسها بما هي إطار أو نظم أو حتّى جدران وتجهيزات، وتحوّلت بعض المدارس الابتدائية إلى أوكار بحكم انعدام الحرّاس وبحكم تعوّد المنحرفين على استباحتها في غياب الردع والمراقبة...
كما لا يشمل العنف جهات وأحياء بعينها بل يغطّي – وإن بتفاوت – كلّ الجهات والأحياء سواء منها الحضرية أو الرّيفية والشعبية أم الرّاقية، فيتمّ الاعتداء على المدرّس مثلا في معهد بأقاصي الصحراء أو في أكثر المعاهد عراقة في العاصمة...
ولا يحدث العنف في فترات محدّدة بل يتكرّر على مدار السنة فيحدث في اليوم الأوّل من العودة المدرسية أو خلال الأسابيع المغلقة أو في الامتحانات الوطنية أو في اليوم الأخير من السنة الدراسية...
ولا يسلّط على المؤسّسات التربوية من خارجها فقط وإنّما ينبع أيضا من داخلها فقد يقتحم غريب المؤسّسة ويعتدي على التلاميذ أو على العاملين فيها وخاصّة منهم المدرّسين إذ يحدث أن يكلّف الولي نفسه عناء التنقل النّادر إلى المؤسّسة التربوية ليعتدي على الإطار التربوي انتصارا لابنه وقد يكون الاعتداء متبادلا بين التلاميذ أنفسهم أو يسلّطونه على الإطار التربوي وإن لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا فيمارسونه على الحجر والشجر وعلى التجهيزات...
كما يصنّف إلى عنف معلن مكشوف يحدث على مرأى ومسمع من الجميع بمن فيهم المكلّفون على الإشراف على حماية التلاميذ وآخر غير معلن ودفين يعمد المتعرّضون إليه إلى التستّر عنه خجلا أو خوفا أو إضمارا للانتقام... وقد يكون هذا العنف تهديدا يصنّف ضمن العنف اللّفظي وهو الأكثر حدوثا والأقلّ حصرا وإحصاء والأقرب إلى التغاضي والكتمان... وقد يكون فعلا بالدفع أو الصفع أو الضرب أو باستعمال الأدوات والوسائل المصنّفة خطيرة وممنوعة ومنها السكاكين والعصي وقنابل الغاز المضغوط وغيرها من الوسائل المتاحة والمبتكرة لمثل هذه الأوضاع... وقد يبدأ خفيفا وقد يصل شديدا وقد يمارس فرديا وقد ينظّم بصفة جماعية...وقد يكون انفعاليا بمثابة رد ّفعل آني على عنف سابق وقد يكون مدبّرا عن سبق إعداد وترصّد... وهي كلّها أنواع شهدتها مؤسّساتنا التربوية خاصّة خلال العقدين الأخيرين.
إنّ صفات الانتشار والتوسّع والعمق والتنوّع كلّها دلائل ترقى إلى القرائن على أنّ العنف أصبح ظاهرة مستفحلة في المؤسّسات التربوية التونسية. وأن مواصلة نفي ذلك إنّما هو من باب جرائم التستّر التي لا تزيد الأمر إلاّ استفحالا وتعقّدا وعسرا في معالجة الظاهرة خاصّة أنّها تمسّ مؤسّسة من أهمّ مؤسّساتنا وأشدّها حساسية وتأثيرا لا على حاضر البلاد فقط وإنّما على مستقبلها ومستقبل أجيال بأكملها.
فإلى ماذا نردّ كلّ هذا العنف ؟وهل التلميذ في كل ّذلك ضحية لجملة من المؤثّرات التي تدفعه دفعا لدوّامة العنف ؟
إنّ نظرة ولو سطحية لواقع الأمر تكشف أنّ لهذه الظّاهرة أسباب عميقة بعضها مباشر مرتبط بواقع المؤسّسة التربوية من حيث هيكلتها وتسييرها وتنظيمها وظروف العمل فيها والبعض الآخر خفي ويتصل بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تعيش فيه المدرسة. وسنحاول لاحقا رصد أهمّ هذه الأسباب لنترك للمختصين تعدادها والتوسّع في دراسة تأثيراتها وعمق فعلها في الواقع المدرسي.
الأسباب المباشرة: أقترح في هذا الصّدد العودة إلى " مدوّنة " العرائض واللوائح والبيانات المدبّجة من قبل المدرّسين وإطار الإرشاد التربوي على امتداد العقدين الأخيرين مرجعا من المراجع تضاف إلى تقارير بعض الإداريين وإلى بعض الدّراسات المحترمة - على ندرتها - وإلى بعض التحقيقات الصحفية - على انتقائيتها -إذ تكشف هذه المدوّنة المزعجة لأغلبية المسؤولين على حظوظ التربية في المدرسة التونسية (ومنها على سبيل الذكر لا الحصر العريضة الصادرة عن أساتذة معهد أحمد السنوسي بقفصة يوم الإضراب على إثر مقتل تلميذهم طه خلايفية ) الكثير من هذه الأسباب المباشرة كالتي تتّصل بعنف المنظومة التربوية نفسها على التلاميذ من كثافة البرامج و"تشقلب" المناهج البيداغوجية وتجريبيّتها المقيتة وتخلّف عملية التقييم وصنميّتها وانعدام المحفّزات وانسداد آفاق التعليم توجيها ومسالك وتشغيلا وما يفضي إليه كلّ ذلك من صعوبات تعلّمية ومن فشل مدرسي وإحباط وتأزّم في العلاقات بين أطراف العملية التربوية.ويضاف إلى ذلك تراجع مكانة المعرفة وتقهقر موقع المدرسة.
ومن هذه العوامل ما ارتبط باكتظاظ المدرسة وازدحام الأقسام أو بالنقص الفادح في العملة وأعوان الحراسة و إطار التأطير التربوي وسوء توزيعهم(كثيرا ما تفتح مؤسّسات تربوية أبوابها دون بالاقتصار في تعيين إطارها على الحد الأقل من الأدنى من الإطار التربوي والأعوان إن استطاعت إليه سبيلا ) أو ضعف تكوين بعض من الإطار التربوي عامّة في مجال التأطير، أو باستفحال التسيب وميوعة التعامل معه واللاّمبالاة تجاهه تنظيرا وتطبيقا (والمثال السّاطع على ذلك الدعوة ضمن ما يسمّ بمشروع المؤسّسة إلى إنشاء مجالس الصّلح ! (هكذا!!)في المؤسّسات التربوية أو التساهل في معالجة ظاهرة الغيابات) أو بالتهافت على موضات التواصل وما يسوّق على أنّه حوار و هو إيهام به لا غير أو بغياب كلّي للتّأطير النفسي والاجتماعي والثقافي للتلاميذ رغم واجهات الزينة في الكثير من المؤسّسات التربوية للجسم الهلامي لما يسمّى ب"مكاتب الإصغاء" ونوادي التنشيط الخاوية من كلّ شيء والتي تحوّل الكثير منها إلى مخازن.
وقد يتعلّق الأمر في أحيان كثيرة بسوء اختيار الإدارة بل بمبدإ التعيين نفسه القائم على خلفيات " فوق تربوية " وبضعف الإدارة المعيّنة وانشغالها عن الشّأن التربوي بالشّأن الخاصّ وغير التربوي "إيّاه" وبتقييدها وقتل روح المبادرة فيها وتدخّل أطراف أجنبية عن المؤسّسة التربوية في كلّ صغيرة وكبيرة الأمر الذي أفقد الإدارة هيبتها وأغرقها في ما هي عليه أغلبها من عجز وقصور وانحلال !
ومن العوامل أيضا تداعي المؤسّسة ذاتها من حيث البناءات (الأسوار منفتحة على الاستباحة والأبواب، إن وجدت، تحرس نفسها بنفسها !!) والتجهيزات (وما ينجرّ عن تهرّئها وانعدامها من إهدار لساعات كثيرة من العمل ) والفضاءات ( كغياب المكتبات وقاعات المراجعة وملاعب الرياضة وضياع التلميذ في "الشوارع الخلفية " ليكون عرضة لكلّ التأثيرات...) ...
والخلاصة أنّ عديد العوامل الداخلية التي تنتجها المدرسة ذاتها تتضافر وتجتمع لتشكّل مثيرات تخلق بهذا القدر أو ذاك ظاهرة العنف في الوسط المدرسي.
الأسباب غير المباشرة: ليس عسيرا علينا أن نحدّد العناصر الكبرى لهذا الصنف من العوامل بالنّظر إلى الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المؤثّرة والفاعلة الأساسية في خلق ظاهرة العنف في المدرسة وخارج إطار المدرسة...( لكن لا يتّسع المجال إلى هذا الجانب ويمكن العودة إلى ذلك في مراجع مختصّة في الدراسات الاجتماعية لظاهرة العنف في المجتمعات.).إذ أنّ وسطنا الاجتماعي المعاصر يرشح عنفا سواء كان هذا العنف مادّيا أو معنويا: عنف ضدّ الطفل وعنف ضدّ ّالمرأة وعنف اقتصادي ضدّ الطبقات المستغلّة وعنف ضدّ "المجتمع المدني" وعنف تسلّطه الدولة ضدّ الحرّيات الفردية والعامّة وعنف موجّه في الملاعب. وفي مجال الثقافة لا يروّج إلا ّلنموذج واحد يتكثّف في المثال الأمريكي القائم تاريخيا على العنف...
وبناء عليه يتوجّب على الجميع أن ينكبّ على دراسة هذه الظاهرة بكشف تمظهراتها اعتمادا على إحصائيات دقيقة وبحث ميداني علمي وموضوعي، والنبش في أسبابها العميقة بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والذهاب عميقا في ذلك بكلّ الشفافية العلمية اللاّزمة، ومن ثمّة اقتراح الحلول والمعالجات الضرورية للحدّ من هذه الظّاهرة ولما لا القضاء عليها.ولئن كانت الأسباب الخارجية مسألة مجتمعية علاجها معقّد وذو أبعاد مختلفة وتتدخل فيها أطراف متعددة، فإنّ الأسباب الداخلية المتصلة بالمنظومة التربوية بكل مكوّناتها هي من مشمولات وزارة الإشراف التي بحّت الأصوات بالدعوات الملحّة الوجّهة إليها للإسراع بمعالجة الأسباب الدّاخلية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي.(ولئن أصدرت وزارة التربية بعد الحادثة بأيام مذّكرة حول حماية المؤسّسات التربوية من الغرباء ومن الاعتداءات فإن ذلك يبقى إجراء منقوصا إذا لم يأت على جوهر المشكل بتقديم حلول حقيقية لكلّ النقائص والإخلالات والعودة إلى أهمّ الأسباب الكامنة وراء الظاهرة واكتفى بتوصيات قد تبدو مهمّة ولكنّها غير كافية.
و يمكن القول إنّ الإسراع بمعالجة الأسباب الداخلية - إن تحقق- فإنّه يمثّل مدخلا أساسيا للبدء الجاد في هذه المعالجة.وإنّ التفكير العميق والجماعي(وبخاصّة بتشريك فعلي للإطار التربوي وللأطراف الاجتماعية ) في مراجعة جذرية للاختيارات الجوهرية المتعلّقة بالسياسة التربوية في بلادنا أصبح أمرا متأكّدا وحيويا يمثّل التهرّب منه عاملا أساسيا في المساهمة في القضاء على مدرستنا العمومية المكسب التاريخي الذي لا يحقّ لأحد التفريط فيه تحت أيّ تعلّة بما فيها النجاعة الاقتصادية. وليس هناك من عاقل قادر على التغاضي على الحالة التي تردّت إليها المدرسة التونسية...

سامي الطاهري

تــــصديـــــــــــر


تصدير

جاءت فكرة مدوّنة خاصّة حول العنف في الوسط المدرسي بدوافع ثلاث ؛أوّلها حادثة مقتل تلميذ في السنة الفارطة في حرم معهد بقفصة على يد زملاء له ، وقد مثّلت صدمة لكلّ من اطّلع على تفاصيلها،وثانيها الاستفادة من وجود مدونة جزائرية في نفس الغرض تشكّل فضاء قيّما لطرح المشكل من جميع أبعاده ومنبرا لمقاومة هذا السّرطان الذي ينخر مدارسنا ويتهدّد أبناءنا، وثالثها الدعوة التي أطلقها المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية من أجل حملة شعارها " أوقفوا العنف ضدّ المدرّسين "وهي دعوة هامة في وقت استشرت فيه هذه الظاهرة وعمّت أغلب المؤسّسات التربوية .
وتهدف هذه المدوّنة إلى رصد هذه الظاهرة والبحث في أسبابها وتتبّع نتائجها وانعكاساتها وتبادل الآراء حول سبل مقاومتها، معوّلين على المساهمات سواء بشهادات حية أو تقارير حول حوادث عنف أو دراسات أو مقالات أو صور، على أن نلتزم بآداب الكتابة الرصينة وأسس الحوار البناء الذي يحترم الرأي المختلف ليكون كلّ رأي ملزما لصاحبه .
وعليه استمرار المدوّنة مرهون بإسهاماتكم وتعليقاتكم .وهدفنا من كلّ ذلك أن نوقف هذا التيار الجارف وأن ننقذ مدرستنا من هذا الداء الخطير
...