السبت، 31 أكتوبر 2009

مرة أخرى حول العنف في الوسط المدرسي

مرة أخرى حول العنف في الوسط المدرسي


سامي الطاهري



ما أثارني للعودة إلى هذا الموضوع بعد المقال الصادر بجريدة الشعب عـدد 1009 بتاريخ 10فيفري 2009 تحت عنوان " هل العنف بالمؤسسات التربوية: مجرد حوادث عرضية أم ظاهرة مستفحلة ؟ " هي أسباب أربعة:

1- خطورة هذا الظّاهرة والتّي أستطيع أن أجزم أن صدور أكثر من مقال يوميا حولها قد لا يكفي كي يعيَها الكثيرون. إلى جانب الحيرة التي افتعلها البعض متسائلين عن العلاقة السببية بين مثلا كثافة البرامج والعنف في الوسط المدرسي أو بينه وبين مشكلة التقييم والارتقاء وغياب قاعات المراجعة...وغيرها من الأسباب التي حاولت رصدها في المقال السابق. وجوابي في الحقيقة قد تضمنه المقال المعني : إن العنف في عمومه متولد عن التهميش إذ كلما توافرت عوامل الفشل المدرسي وتضافرت معها حالات التسيب والتفكك والضعف والعجز تشكلت ملامح التهميش و تولدت نتائج من قبيل الإحباط واليأس وانسداد الآفاق التي من أكثر دلائلها سطوعا البطالة المتفشية في صفوف حاملي الشهائد العلمية، وهي عوامل تأزم نفسي واجتماعي تشكل لا فقط أرضية خصبة لظاهرة العنف وإنما هي مولد مباشر له ومنتج أساسي لظهوره في الوسط المدرسي. إذن فالعلاقة بين الدراسة الاجتماعية للعنف المدرسي والدراسة الاجتماعية للفشل المدرسي وتدني المستوى المعرفي و تفشي البطالة و تعمق التهميش وطيدة.

2- تكرّر أحداث خطيرة بعد مقتل التلميذ الفقيد طه خلايفية بقفصة، إذ حدث أن أغمي على أستاذة اكتشفت أنّ بعضا من تلاميذها قد أحضروا خلطة من البنزين والكحول وغيها وسكبوها في قاعة الدرس بمعهد أبو القاسم الشابي بالتضامن مرة أخرى متهيئين لإشعالها مواصلة للحريق الذي أشعل قبل يوم في ركن من أركان نفس المعهد كاد يخلف مآسي لا أحد يتصور حجمها، وأيضا اقتحام مجموعة أخرى من التلاميذ والغرباء يوم 17 فيفري 2009 حرم قاعة الدرس بمعهد حنبعل بقرطاج على أستاذة التربية الإسلامية ومطالبتها تحت كل أصناف التهديد والوعيد والسباب والشتائم والبذاءات " تسليم " تلميذ لتأديبه....والقائمة تطول رغم محاولات التستر إيّاها...

3- قراءتي ل" لمحة " محمد قلبي الصباحية ليوم 10 فيفري 2009 تحت عنوان " أخطى راسي" التي تحدث فيها بالتكثيف العميق المعهود في لمحاته وحرابيشه عن كنس وزارة التربية أمام دارها... وما أكّده من وراء ذلك بأن القضية غائرة الأبعاد و العلاقة الجدلية بين كلّ الأسباب تحتم وعيها و الإنكباب عليها لا لمجرد تحديد المسؤوليات وإنّما لإيجاد الحلول ولمعالجة الأدواء قبل مزيد استفحال العلّة داخل المدرسة وخارجها .

4- الملاحظات الصّائبة لبعض الأصدقاء حول ما شكّل نقصا في مقالي المذكور أعلاه، حين لم يتعرّض إلى تهرؤ النظام التأديبي وتهافته، بالمعنى القانوني، واستغلال الإدارة ذلك لخرقه وهتكه، إذ يحدث في مؤسّستنا التربوية أن يطرد التلميذ، لسبب خطير، ثم ينقذه عطف أبوي من هذا المسؤول أو ذاك فيسعف مرة أولى في معهد علي بعد مرمى الحجر ليطرد بعد أيام معدودات فيسعفه نفس المسؤول ثانية في معهد أقرب من مرسى الحجر، فيعترض سبيل الأستاذ الذي " تسبّب " في طرده شاتما متوعّدا مفتخرا بعلوّه على القانون الذي اعتلاه من أسعفه ومن قبل إسعافه ومن صمت على إسعافه ... و أيضا حين لم يستعن هذا المقال بالإحصاءات، على شحّها، ولم يعدّد الأمثلة ولم يسرد قائمتها المطولة من شمال البلاد إلى جنوبها ليسكت كل الذين لا يزالون يسخرون من عقولنا عندما يحاولون التخفيف عنّا بالتأكيد على " عرضية " الأحداث...وحين أيضا لم يشدّد على الآثار الغائرة التي يتركها العنف في نفوس التلاميذ والأسرة التربوية من شعور بالعجز وعدم الجدوى والظلم والإذلال و إحساس بانعدام الأمن وتزعزع الثقة بالنفس وبالمهنة وبالمؤسّسات ( يحضرني في هذا الصدد ما صرّح به عفويا مسؤول جهوي حضر ذات اعتداء إضراب الأساتذة فقال: " هذا من مخاطر المهنة " ) و ما ينجر عن ذلك من انطواء وعدوانية و وانغلاق ومعاناة الألم في صمت طاحن...وحين لم يتعرض أيضا، بعد التوصيف فالإدراك إلى المقترحات العلاجية بوصفها منشودا يأمل كل غيور على المدرسة العمومية أن يراها محل درس وتمحيص وتنفيذ لتجاوز نقائص الموجود علّ هذا المكسب الوطني يعود إليه بريقه وإشعاعه ودوره في التأثير في المجتمع لا في التقبل السلبي لتأثيرات المجتمع أيّا كان عمقها. وهو الجانب الذي سأحاول بناءه في هذا الجزء الثاني مستعينا بالأساس بمدوّنة اللوائح والعرائض والبيانات النقابية وأيضا مستفيدا أيّما استفادة من إحدى الدراسات القيمة التي جاءت ضمن مشروع أوسع لم ينشر إلى حد الآن، و التي أنجزها ثلة من الفاعلين التربويين.(***)

فأمام تعدّد الأسباب الداخلية المولّدة للعنف المدرسي وتراكم آثارها على الوسط المدرسي إلى حدّ الإفاضة على الوسط الخارجي المحيط به وجب أوّلا على وزارة التربية والتكوين أن تكنس، سريعا وعمليا، أمام دارها، لأنّنا لا نحتاج إلى معرفة العنف فقط عندما يكون " كرشة "، كما أنّنا ندرك المعنى السّاخر من التسليم والعجز الذي عناه علي الدّوعاجي عندما أطلق قولته الشهيرة " إذا طحت مالشباك احمد ربّي أللي عندك شبّاك ".هذا يعني بلغة الأفعال تحديد خطة تدخّل سريع وبرنامج عمل بعيد المدى يبدآن ب:

· الوعي بخطورة هذه الظاهرة في كل أشكالها: " الصغير" كالعنف اللفظي والكبيرة مثلما حدث في قفصة والاعتراف بتداعياتها والتصميم على معالجتها..والكفّ عن نفيها أو محاولة التخفيف من حدّتها.

· تحديد الأهداف ومنها أساسا محاصرة ظاهرة العنف المدرسي والعمل بسرعة على تطويقها ومن ثم البدء في معالجة أسبابها حسب الأولويات مع تسخير كل الإمكانات والطّاقات لذلك، على أن تكون الغاية الكبرى من كل ذلك استعادة الشعور بالأمن داخل فضاء المؤسّسة التربوية وإتاحة الفرصة من جديد إلى سيادة « عالم المعرفة في رحاب المعرفة " بعيدا عن كل مظاهر القمع والسيطرة. فمعالجة الأسباب تغنينا في كثير من الأحيان على الوصول إلى مرحلة العقاب إذ لا يكفي أن نعاقب المذنب لنقضي على العنف في المدرسة.

· وضع إستراتيجية تذهب رأسا إلى معالجة الأسباب والتداعيات وتجنب الحلول الظرفية التي تتبخّر بفعل العادة والتآكل الزمني، فجميل أن نعدّ بطاقة التعريف المدرسية لكل تلميذ ولكن أجمل منها أن نعدّّ تلميذا واعيا مثقّفا متمتّعا بمواطنته شاعرا بمسؤوليته. وأيضا ترك الحلول السهلة جانبا مثل استنساخ التجارب – وأكثرها المستهلك – وتطبيقها، تعسّفا، على واقعنا المختلف عن الواقع الذي أنتج هذه التجارب (هذا لا يعني الاستفادة منها بهذا القدر أو ذاك).

· توفير كل الإمكانات المادية والبشرية لتجاوز الظاهرة. ومراجعة ما أصبح من الاختيارات الأساسية في السياسة التربوية الحالية وهو رفع الدولة يدها عن كل ما هو خدمة اجتماعية والتعليم أحدها بل أهمّها. (ويحضرني هنا أيضا تصريح أحد المسؤولين بأن ّ كلفة تخريب التجهيزات وإصلاحها في المؤسّسة التربوية أخفّ !! من كلفة انتداب عملة وإطار التأطير التربوي وهي رؤية لا تستطيع بأية حال وضع حياة طه خلايفية أو أي واحد من زملائه في بورصة المال والأعمال). والنظر إلى مسألة التربية والتعليم لا كسلعة ذات مردود عال يسيل من أجله لعاب المستثمرين ولكن بوصفها خدمة اجتماعية أساسية تدخل ضمن الحقوق الأساسية للإنسان والمواطن.

ولترجمة هذه المبادئ العامة إلى خطّة عملية فإنّني أكتفي بسرد عدد من المقترحات التي تضمّنتها عديد العرائض النقابية منبّها إلى أنّها ليست مرتّبة ترتيبا تفاضليا معتبرا إياها مقترحات أوّلية يمكن إثراؤها بكل التصوّرات الخلاّقة. وأشدّد على فقدان هذه المقترحات لجدواها وتأثيرها إذا لم ينظر إليها بعلاقة بالمؤثرات الخارجية الأخرى التي ألمحنا إليها في الجزء الأول من هذا الموضوع، كما أؤكد على أنّ نجاح أي مشروع تربوي مرهون بتشريك فعلي – كما ذكرت سابقا – للمدرسين وهياكلهم النقابية:

o إعادة الاعتبار إلى المدرسة من الناحية المادية بتهيئتها وصيانتها وحمايتها وتوفير التجهيزات والقاعات الكافية فيها ليكون عدد منها مخصصا للمراجعة وللأنشطة الثقافية المستقلة عن الجمعيات الغريبة عن المؤسسة التربوية. وجعلها فضاء محببا لدى المقبلين عليه وبالأساس التلاميذ، فلا يعقل أن يسقط سور مدرسة (1) والكل عارف بتداعيه ولا يتدخّل وليس مقبولا أن يصبح سطح قاعة وعاء تتقاطر منه الأمطار، ومن المرفوض أن تبقى جدران مؤسسة تربوية بلا طلاء لأكثر من عقدين وجريمة أن تساهم الإدارة بلامبالاتها في جعل المدرسة مكانا مستباحا (2) وأن ينظر الجميع بعين الشماتة كيف تنتهك ويعم محيطها الفساد ، ومن غير المقبول أن يجد أبناؤنا أنفسهم بين الفينة والأخرى على قارعة الطريق عرضة لكل المخاطر (3) ...فالمسألة لا تكمن فقط في حسن توظيف الفضاءات لاحتضان التلاميذ بل في وجود الفضاءات ذاتها: كيف يمكن التصرف في عدد من القاعات محدود في الأصل أمام مدرسة مكتظة بالأقسام ؟ وعن أي تنظيم نتحدث وكثير من المدارس والمعاهد تشغل قاعاتها على مدار 10 ساعات يوميا وعلى امتداد ستة أيام في الأسبوع ؟

o إعادة الاعتبار إلى المدرس بتثمين جهوده معنويا وماديا وإيقاف حملات "شيطنته " ومحاولات زعزعة صورته في محيطه التي تتزعمها بعض قنوات الميوعة والانبتات وصحف التشهير والدعاية الرخيصة. ومن خلال تثمين جهود المدرس يتم إعادة الاعتبار للمعرفة وتبوئة العلم مكانته الأصلية بعدما تردى إليه في ظلّ الأوضاع الحالية ومن ثمة إعادة ثقة التلميذ في المستقبل والآفاق من تحصيل المعرفة ومساعدته على استعادة جملة المعايير المفقودة ليستطيع تحديد أهدافه وتحمل المسؤولية وتقويم سلوكاته...

o مراجعة السياسة الحالية في تعيين الإدارة والقائمة على قاعدة الولاءات... واعتماد مبدأ الانتخاب والاختيار على قاعدة الكفاءة والخبرة والقدرة على المبادرة مثلما هو معمول به في بعض الكليات...

o انتداب أخصائيين اجتماعيين ونفسيين قارين – وما أكثر العاطلين - لمباشرة التلاميذ الذين يتعرضون إلى صعوبات، لأنّ العنف قد يغطّي حالات مرضية فردية وجب الكشف عنها والإحاطة بها طبيا واجتماعيا ومعالجتها.(4)

o مراجعة النظام التأديبي بما يضمن إحلال الانضباط واحترام المدرسة والأسرة التربوية وملازمة المواظبة وأداء الواجب على قاعدة لا سلطة القوانين وحدها بل سلطة المعايير القيمية ( les normes) كما يرى فوكو، بعيدا عن السيطرة والتسلط من ناحية وعن التساهل والميوعة المنقولة – على شاكلة غش التلاميذ – من تجارب لا تتلاءم مع خصوصياتنا.

o انتداب العدد الكافي من الأعوان والعملة وإطار التأطير التربوي لأن المشكل لا يكمن في الأصل في عدم تحمل المكلفين بحراسة المؤسسات التربوية والتكوينية مسؤولياتهم ولا فقط في سوء توزيع القيمين والعملة على جميع فضاءات المؤسسات التربوية والتكوينية، بل بالأساس في النقص الفادح في هذا الإطار مما يثقل الحمل والمسؤولية على الموجودين ويجعلهم في موقع المخلين بالواجب والمحجوجين في أغلب الأحيان ظلما بالتقاعس... فماذا يفعل مثلا عامل وحيد في معهد يمتد على آلاف الأمتار ويحتوي عددا من القاعات والساحات والملاعب وبه أكثر من مدخل عليه أن يؤمنها جميعا وحده ؟ هل نستعير عبارة محمد قلبي ونقلبها ونقول : " دبر راسك "؟ كلاّ ! إنّ الحل لا يكمن في مجرد التصرف في الموجود وإنما في تجاوزه لتلبية الاحتياجات الحقيقة الكفيلة بتأمين " شمولية التأطير والمراقبة "

o حصر مواظبة التلاميذ ودراسة تطوّرها ومتابعتها وإيجاد آليات ناجعة للحدّ من غياباتهم للحد من الوقت المهدور المبدّد في قسمه الأكبر في محيط المدرسة . وتقليص المدّة المعتمدة غير المبررة في الغيابات(21 يوما) قبل الشطب.والتشدد في الغيابات المتصلة بالفروض والامتحانات خاصة.

o مراجعة التهميش المتعمد للكثير من مواد التدريس كالفلسفة والتاريخ والتربية المدنية (5).والتأكيد من جديد على دور العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافة عموما – على عكس توصيات صندوق النقد الدولي – في تشكيل الإنسان السوي والمواطن المفكر والواعي والفاعل والقادر على البناء والتغيير . و الانكباب على إعادة تشكيل أجيال المستقبل بعيدا عن تجربة الخواء والتجويف والتمييع والانبتات التي طبقت إلى حد الآن ، وذلك بإعادة الاعتبار إلى القيم والمبادئ والوعي والانتماء وتثمين الفكر والتفكير النيرين.

o ضبط العلاقة مع الأولياء بما يضمن متابعتهم لأبنائهم وفي نفس الوقت الحد من تدخل الكثير من العناصر الغريبة، المتخفية بعناوين مضللة [ قد تسمي نفسها بذات العلاقة ]، في الشأن التربوي باستعمالها للنفوذ من أجل بسط سيطرتها على المؤسسة التربوية لأنها عندهم مجرد مجال للاستثمار أو فضاء للتوظيف...

o الحد من كثافة البرامج (6) وثقلها ومراجعة أشكال التقييم الحالية وإيقاف النزيف الذي تولده سياسة الارتجال والتجريبية واللهث وراء الموضات البيداغوجية وخاصة منها المستهلكة في مواطنها (7) وتوفير جميع مستلزمات العمل بما فيها الوسائل البيداغوجية الحديثة والحد من الاكتظاظ – التي لا تنظر إليها وزارة الإشراف إلا من زاوية تبعاتها المالية لا غير لما يوفره الاكتظاظ من تقليص في الانتدابات وحد في البناءات وضغط على المصاريف وهي أسس التوصيات القاضية برفع الدولة يدها على الخدمات الاجتماعية، بما يضمن قدرات أوفر على أداء الرسالة التربوية وتأطيرا ناجعا وفرصا تعليمية متكافئة وتعليما بسرعة واحدة (وقد حان الوقت لتقييم جرئ لما يسمى بالتعليم النموذجي الفعلي أو القائم على التمييز بين الجهات والأحياء والمؤسسات و الذي عمق سياسة التعليم ذي السرعتين الذي ينظر إليه البعض ) .

o ضرورة إحكام التوجيه في جميع مراحله وتثمين مؤهلات التلميذ حتى لا يكون التوجيه سببا للفشل وبالتالي عاملا من العوامل المولدة لردة الفعل المعادية للمدرسة وللمدرسين. والإقلاع عن النظرة الدونية المكرسة لكل ما هو تقني وتطبيقي وتثمين التعليم التقني حتى لا يبقى مصبا للفاشلين والمحبطين كما هو الحال الآن وخاصة في الإعداديات التقنية المثقلة بالمشاكل والمصاعب.

o مراجعة أشكال الارتقاء الحالية لأنها آلية أو تكاد (8) و لأنها لا تعيد إلا إنتاج القصور وتدني المستوى ولا تشجع إلا على الغش ولا تربي إلا على الاتكالية والتحايل وتعطي صورة أحادية على دور المدرسة وهي الحضانة ( garderie) -على حد تعبير الأساتذة أصحاب الدراسة المشار إليها أعلاه -. وفي هذا الصدد أعتقد ألا أحد يستطيع اليوم وبعد مرور عقدين تقريبا أن يفسر، فضلا عن أن يبرر سبب إلغاء امتحاني السادسة (سيزيام ) والتاسعة (نوفيام ) في شكلهما الإجباري غير تغطية ما عرّته هذه المناظرات من تدن للمستوى. وقد آن الأوان إلى الاستماع إلى المدرسين وإلى تقييم هذا التوجه حتى نمكن التلميذ من فرصة لامتحان حقيقي أو ما يضاهيه على الأقل قبل الباكالوريا. وقد حانت في نفس الوقت مراجعة أساليب التقييم وتوقيته (9) بما يضمن السيرورة والصرامة والجدية والمستوى العلمي (10).

والخلاصة أن حلّ مسألة العنف في الوسط المدرسي مرهون بدرجة كبيرة بحل عميق يطال العملية التربوية بجميع أبعادها المادية والهيكلية والمعنوية والقيمية .ولعلّ القول ينطبق بنفس الحدّة على سائر المشاكل الأخرى كالفشل المدرسي وتدني المستوى التعليمي وغيرهما...إذ هي مشاكل مترابطة من حيث الأسباب والدواعي والنتائج ولا شكّ أنّ حلولها متقاربة أو على الأقل متشابكة، حتى تستعيد المدرسة دورها في زرع الأمل وأن تكفّ عن بيع الأوهام وتسويق السراب.

هذا هو الطريق: تكون مدرستنا العمومية أو لا تكون ؟


(***) هم الأساتذة : بشير اليزيدي ولطفي صواب وعماد بن حميدة . في جزء من دراستهم بالفرنسية بعنوان : " العنف في الوسط المدرسي :الواقع والتحديات "

(1) حادثة سقوط سور مدرسة بالكبارية ثم قرار إغلاق 4 قاعات متداعية إلى السقوط قد تكشف عن وضع مئات من المؤسسات ت الأخرى وخاصة في الأرياف ومنها ما هو منشأ حديثا.

(2) مثلا هجوم عدد من التلاميذ والأولياء والغرباء بالحجارة على مدرسة إعدادية بجبنيانة يوم 17 فيفري 2009.

(3) أصبحت المؤسسات التربوية محاطة بأحزمة من الأكشاك التي تبيع كل شيء والتي تتخذ من أسوار المدرسة منطلقا للبناء والتوسع ، ولئن كانت هذه الأكشاك موردا لرزق عائلات بأكملها فقد أصبح كثير منها عبءا على المدرسة

(4) عن كتاب " العنف في الوسط المدرسي " ل إريك دي باربيو

(5) شهدت هذه المواد هجمة منظمة من أجل تهميشها بتغيير متعجل ومريب لبرامجها وتقليص لتوقيت تدريسها وتخفيض غير مبرر لضواربها بل بحذف بعضها من بعض الشعب والمستويات .

(6) أضحت العادة في التخفيف في البرامج مقتصرة على حذف المحاور وقطع الصفحات من الكتب على عجل دائما دون اعتبار لما يحدثه ذلك من خلل منهجي وثغرات معرفية.

(7)أيهما المختبر : مركز التجديد البيداغوجي أم المدرسة ؟

(8)يمكّن نظام الارتقاء الحالي التلميذ في كثير من مستويات الدراسة من الارتقاء بأدنى مجهود وإذا لم يتوفر المجهود نبحث له عن كل الاحتمالات ليرتقي (انظر مثلا منشور الارتقاء الصادر تحت عدد30/06/2006.بتاريخ 28 أفريل الذي حول الارتقاء إلى لعبة نرد...) حتى صارت مجالس الأقسام شكلية . فكيف سيقبل هذا النوع من التلاميذ وكذلك أولياؤهم الرسوب بعد ذلك ؟ لا نستغرب حينئذ ردة الفعل إن كانت عنيفة !!!

(9)تتعطل الدروس جزئيا أو كليا بمناسبة الأسابيع ما قبل المغلقة والمغلقة وما بعد المغلقة لمدة تتجاوز العشرين يوما لتليها العطل المدرسية الأمر الذي يخلق حالة من الانحلال والانفلات والتسيب مثيرة للذعر، وهي إحصائيا الفترات التي ترتفع فيها نسب العنف وتتعدد فيها الاعتداءات لأن الدروس متوقفة ولا يشد التلميذ إلى العمل والكد ويشغل وقته عن العبث، والفراغ مفسدة.

(10) ألا تلاحظ دوائر وزارة التربية أن نسبة الناجحين في الباكالوريا بمعدل اقل من 10 في ارتفاع متزايد منذ سنوات قليلة على حساب الناجحين بمعدل يفوق 10 وذلك بفضل الزائدة الدودية المتمثلة في التنفيل ب 25% المعدل السنوي .وكعينة على ذلك فإن نسبة الناجحين في الدورة الأولى للباكالوريا 2006 لشعبة الاقتصاد في أحد معاهد العاصمة الحاصلين على المعدل لم تتجاوز 9% من مجموع الناجحين ال 33% .علاوة على أن النتائج مهما تم الترفيع منها تحت العناوين المختلفة ومنها موضة " بيداغوجيا النجاح "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق